Sunday, December 14, 2008

تذكر الماضي

من الطبيعي أن نتذكّر الماضي ونحاول وضع نوع من جردة حساب. فهذه النظرة الاستذكاريّة تسمح بتقويم الأشخاص والأوضاع التي صادفناها طوال مسيرتنا، تقويماً أكثر صفاءً وأوفر موضوعيّة. مرور الزمن يجعل حدود الأحداث تتلاشى، ويلطّف من جوانبها المؤلمة. وبكل أسف إن الهموم والمحن موجودة بكثرة في حياة كل واحد. وفي بعض الأحيان يتعلّق الأمر بمشاكل والآم تُخضع لامتحان قاسٍ إمكانية المقاومة النفسيّة والجسديّة، وربما تزعزع الأيمان ذاته. لكن التجربة تعلّم أن الآلام اليوميّة نفسها غالباً ما تسهم، مع نعمة الرب، في نضج الأشخاص، إذ تقوّي أطباعهم. وأبعد من الأحداث الخاصة، فإن التفكير الذي يفرض نفسه أكثر هو ذاك المتعلّق بالزمن الذي يمرّ حتماً. «فالزمان يهرب دون رجعة» كما كان يقول الشاعر اللاتيني القديم[1]. فالإنسان غائص في الزمان، فيه يولد، ويعيش ويموت. مع الولادة يُحدد تاريخ، أول تـاريخ في حياته، ومع الموت، يحدد تاريخ آخر، وهو الأخير: الألف والياء، البداية والنهاية في حياته الأرضية، كما يشدّد على ذلك التقليد المسيحي بحفر ذينك الحرفين من الأبجديّة اليونانيّة على شواهد القبور. [1] VIRGILE, «Fugit inreparabile tempus»; Géorgiques, III, 284: Paris (1947), p. 108.

No comments: